مخاض الجبل الأمريكي - فأر التهجير وفشل المخططات الاستعمارية

 مخاض الجبل الأمريكي -  فأر التهجير وفشل المخططات الاستعمارية


استهلال ساخر باستخدام المثل العربي


    تمخض الجبل الأمريكي العاجي، وتفجرت قمته بخطاباتٍ استعلائية، فولد فأراً هزيلاً اسمه "تطهير غزة"، في مشهدٍ يُلخّص عبثية القوة الغاشمة وحُمق التخطيط الاستعماري الذي لم يتعلم من دروس التاريخ. 

    دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي حوّل السياسة الدولية إلى سيركٍ من اللامنطق، يعود ليُطلِق وصفته السحرية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: تهجير مليون ونصف المليون فلسطيني من غزة، وكأنهم قطع أثاثٍ عتيقة تُنقل من غرفة إلى أخرى! لا غرابة أن يلد "جبل" الإمبريالية الأمريكية المُثقَل بجرائم الحرب فأراً من أفكارٍ عنصريةٍ تكرّس الفصل العنصري وتنتهك أبسط مبادئ القانون الدولي.




الخطة: من عبثية التهجير إلى سخرية التاريخ

    ما يُسميه ترامب "خطة سلام" هو في جوهره مخططٌ لاستكمال الكارثة الإنسانية التي    يعيشها قطاع غزة. فبعد 15 شهراً من القصف الإسرائيلي المُمنهج، الذي دمّر البنية التحتية وقتل الأبرياء وشرد العائلات، يأتي "المنقذ" ترامب ليُعلن أن الحل هو إفراغ غزة من سكانها، وتسليمهم إلى دول الجوار، وكأن الفلسطينيين حمولةٌ يُمكن تفريغها في صحراء سيناء أو أرياف الأردن. السؤال الذي يُطرَح هنا: أي سلامٍ هذا الذي يُبنى على جثث الضحايا وأنقاض المنازل؟ وأي "تطهير" يُراد له أن يكون سوى صيغةً مُهذبةً لعملية تطهير عرقي؟!

    حركة حماس والجهاد الإسلامي، رغم كل الخلافات السياسية معهما، تقفان اليوم كممثلَين عن إرادة شعبٍ رفض الانكسار. تصريحات باسم نعيم، التي تؤكد تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وقدرته على إعادة الإعمار، تُذكر العالم بأن غزة ليست مجرد "قطعة أرض"، بل هي وطنٌ يُشبِه الجسد الذي لا يُفرّط فيه أصحابه إلا بالموت. أما تنديد الجهاد الإسلامي بخطة ترامب فليس دفاعاً عن سياساتٍ داخلية، بل هو صرخةٌ ضد محاولة محو الهوية الفلسطينية تحت ذريعة "الإصلاح".


الحصار: الجريمة المستمرة التي يُريد ترامب تحويلها إلى كارثةٍ أبدية

    الحديث عن إعادة إعمار غزة دون إنهاء الحصار الإسرائيلي الخانق، الذي يستمر منذ 17 عاماً، هو كمن يُريد إطفاء حريقٍ بزجاجة بنزين. ترامب، الذي يصف غزة بأنها "مكان مدمر"، ينسى أن التدمير نتاجٌ طبيعي لحصارٍ ظالمٍ وقصفٍ متكررٍ تدعمه واشنطن بالمال والسلاح. فكيف يُصدّق أن من يغذّي الجريمة يُمكن أن يكون حاملاً لمشروع السلام؟! الأكثر سخرية هو اقتراح تهجير السكان "مؤقتاً أو طويل الأجل"، وكأن حق العودة — الذي كرسته الأمم المتحدة في القرار 194 — مجرد خيارٍ ثانوي يُمكن تعليقه حسب مزاج السياسيين.


الأردن ومصر: ورقة الضغط الاستعمارية الجديدة

    محاولة ترامب جر مصر والأردن إلى لعبة التهجير ليست سوى فصلٌ جديد من مسرحية "الوطن البديل"، التي رُفضت على مدى عقود. فالشعب الفلسطيني، الذي خرج من نكبة 1948 ونكسة 1967، يعرف جيداً أن قبول التهجير يعني إضاعة الحقوق إلى الأبد. مصر والأردن، اللتان تعانيان أصلاً من أزماتٍ اقتصادية واجتماعية، ليستا مستعدتَين لتحمّل تبعات مشروعٍ يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس التهجير كحلٍ دائم.


الاستعمار لا يتعلم.. لكن الشعوب تنتصر


  التاريخ يُثبت أن محاولات طمس الهوية الفلسطينية باءت بالفشل: من مشاريع التوطين في أمريكا اللاتينية زمن الانتداب البريطاني، إلى مقترحات تهجير سكان غزة اليوم. الفلسطينيون، برغم كل المآسي، صمدوا كالجبال، بينما تحولت مشاريع التهجير إلى فئران ميتة في ذاكرة التاريخ. ترامب، الذي أشعل النار في المنطقة بصفقة القرن الفاشلة، يُكرّر نفس الخطأ: يتصور أن الشعب الفلسطيني قشرةٌ فارغة يُمكن دحرجتها بعيداً. لكن الحقيقة التي لن يفهمها هي أن الأرض تُخلَق مع من يسكنها، وأن الدماء التي سُفكت في غزة ستُخصّب أرضاً جديدةً للتحرير.


الجبل يَئِنّ والفأر يموت

    تمخض جبل الغطرسة الأمريكية، فولد فأراً مشوهاً اسمه "خطة ترامب". لكن هذا الفأر لن يعيش طويلاً، لأن صمود غزة — من مقاومةٍ شعبية إلى إرادة إعادة البناء — أقوى من كل دبابات التهجير. السلام الحقيقي يبدأ بإنهاء الاحتلال، ورفع الحصار، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني. أما محاولات "التطهير" فمصيرها الفشل، ككل المشاريع التي تتعامل مع البشر كأرقامٍ في معادلةٍ استعمارية. فالشعوب تموت فوق أرضها ولا تبيعها، بينما المخططات العنصرية تزول... ويبقى التراب الفلسطيني يُنبت زيتوناً.



No comments:

Post a Comment

A Harrowing Experience with Medical Negligence: Silent Suffering

  A Harrowing Experience with Medical Negligence: Silent Suffering Introduction Life sometimes places us in situations we do not choose, sit...