الشيوخ المُتأشِّيخون مشهد الهزل باسم العلم

الشيوخ المُتأشِّيخون مشهد الهزل باسم العلم

     في عصر السرعة والمعلوماتية، بات من المدهش أن نرى شريحة ممن يطلقون على أنفسهم لقب "شيوخ" أو "علماء"، وهم يقتحمون شاشات التلفاز والقنوات الفضائية ، يحملون راية الإرشاد والعلم، بينما ما يقدمونه لا يتعدى كونه مزيجًا من الحكايات الشخصية الساذجة، وأقوال تُنسب إلى "السفهاء"، وادعاءات لا تمت للعلم بصلة.


النمط المكرر

    تتكرر ذات المشاهد: يظهر أحد هؤلاء المتأشيخين ، يعتدل في جلسته أمام الكاميرا، ويبدأ حديثه بجملة منمقة مثل "حدثني أحد الأشخاص" أو "قال لي أحد السفهاء". ينطلق بعدها إلى استنباط أدلة مُفصلة ومُدعمة بزخرفة لغوية تُحاول أن تُقنع المتلقي أن ما يقوله هو الحق الذي لا يأتيه الباطل.

    لكن المفارقة الكبرى تكمن في استدلالهم بما يسمونه "التجارب الغربية"، لتبرير معتقداتهم أو تعزيز صحة نصوص يُقسمون أن قائلها هو محمد، وقد كتبها في أسلوب موزون بالسجع وأحيانًا بعبارات أقرب للشعر. إنهم يقتبسون من الحداثة ليُبرهنوا على صحة النصوص القديمة، لكن بطريقة مُجزأة ومشوهة تجعل كل من لديه معرفة علمية حقيقية ينفجر ضحكًا.


مغالطات تحت عباءة القدسية

    ما يثير الاستهزاء ليس فقط الأسلوب بل أيضًا التناقض الواضح في أطروحاتهم. فمن جهة يرفضون المنهج العلمي بحجة أنه "غربي"، ومن جهة أخرى يعتمدون على نفس "الغرب" الذي يذمونه، مُقتبسين بشكل انتقائي تجارب وأبحاث لا تمت لموضوعاتهم بأي صلة. وعندما يتم مواجهتهم، يلجؤون إلى نصوص غيبية تتحدث عن الإيمان المطلق، معتبرين أن أي تساؤل هو دليل على "ضعف إيمان" السائل.

    ثم نأتي إلى قصة أخرى تُروى عن "فلق القمر"، حيث يُقال إن النبي محمد أشار بيده إلى القمر فانشق نصفين، بينما يصفها العلم اليوم كظاهرة طبيعية لم تحدث قط بالشكل المذكور. بل الأدهى أن يُضاف إليها قصص مثل حديث "الذئب الناطق"، حيث يُروى أن ذئبًا هاجم شاة، وعندما استرجعها الراعي، جلس الذئب على ذنبه وقال: "أتمنعني رزقًا ساقه الله لي؟" ثم أخبر الراعي عن النبي محمد في المدينة، وهو يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. إن تحويل الذئاب إلى مخلوقات ناطقة باسم القدر لا يُمكن إلا أن يُصنف كجزء من كوميديا خطابية تتحدى العقل.


التعليق الساخر على قصة البرجر يقتل الجينات الذكورية لدى الرجل والمرأة : المتأشيخ : علي المالكي :


    ما قاله الشيخ علي المالكي في احد القنوات الفضائية يعكس نموذجًا ساخرًا من استغلال المفاهيم العلمية في سياقات غير مدروسة بهدف جذب الانتباه أو إظهار المعرفة. قصة البرجر وتأثيره على "الجينات الذكورية" تبدو وكأنها تتجاوز حدود المنطق العلمي، خاصة عند الاستناد إلى ما يسمى "أبحاث صينية مترجمة"، دون تقديم أي دليل موثوق أو دراسة علمية يمكن التحقق منها.

    • البرجر والسلاح البيولوجي: إذا أخذنا كلامه بجدية، فإن البرجر لم يعد مجرد وجبة سريعة، بل أصبح أداة مؤامراتية تُستخدم لاستهداف "الجينات الذكورية". يا له من عالم مظلم نعيشه عندما تتحول شرائح اللحم إلى أعداء للإنسانية!

    • مصدر المعلومة الغامض: أين هي هذه الأبحاث الصينية؟ ومن قام بترجمتها؟ ولماذا لم يسمع بها أحد في المجتمع العلمي؟ يبدو أن المصدر السحري الذي يستند إليه المالكي هو مجرد وهم أو مزحة.

    • الجهل العلمي: الجينات الذكورية هي مصطلح غير دقيق في هذا السياق. ما يُقصده المالكي قد يكون تأثير البرجر على الهرمونات أو الصحة العامة، ولكن حتى هذا يتطلب أدلة علمية واضحة، وليس حكايات عابرة.


دور الإعلام في نشر الهزلية:

    التعامل مع مثل هذه التصريحات يجب أن يكون بنقد وتحليل منطقي، ليس فقط للسخرية ولكن لتوضيح المفاهيم الخاطئة للمجتمع. بدلاً من نشر الهلع أو تسويق نظريات المؤامرة، يمكن توجيه النقاش نحو التفكير العلمي والمصادر الموثوقة.


تأثيرهم على المجتمع

    الأخطر من ذلك أن هذا النمط الفكري لا يكتفي بالبقاء حبيس الجدل التلفزيوني. فالكثير من المشاهدين الذين تنقصهم الأدوات النقدية، يقعون فريسة لهذه المسرحيات الخطابية، معتقدين أن ما يُقال هو علم نقي وحقيقة مطلقة. النتيجة؟ تزايد الانغلاق الفكري والانعزال عن العالم الحقيقي.


دعوة للتحرر الفكري

    آن الأوان أن نتعامل مع هؤلاء المتأشيخين بما يليق بهم من الاستهزاء الفكري، وألا نمنحهم المكانة التي لا يستحقونها. النقد والتحليل هما سلاحنا ضد هذه الظاهرة التي تُسيء للعقل وللإنسانية. فالعلم الحقيقي لا يحتاج إلى زخارف السجع ولا إلى حكايات السفهاء، بل إلى منطق وعقلانية تُبنى على أسس صلبة وقابلة للتطور.


No comments:

Post a Comment

Facebook and Instagram: A Clear and Direct Accusation of Fraud

 Facebook and Instagram: A Clear and Direct Accusation of Fraud     This is not a message. This is not a complaint. This is a direct and une...