سوريا , ملامح أزمة تتشكل وخوف من المستقبل القريب

سوريا: ملامح أزمة تتشكل وخوف من المستقبل القريب

    إن المراقب للوضع في سوريا اليوم يدرك أن البلاد تسير على خطى مسار تاريخي شبيه بما شهدته أفغانستان في فترة ما بعد انسحاب القوات السوفييتية. فكما كانت أفغانستان مسرحًا لصراعات دولية وإقليمية، تحولت سوريا أيضًا إلى ساحة للتدخلات الخارجية التي أدت إلى انهيار النظام السياسي وتفكك البنية الاجتماعية. ومع غياب الحلول الجذرية، بدأت تظهر ملامح تشكل جديد لا يبشر بالخير، مما يثير قلقًا عميقًا لدى المفكرين والساسة.



التشكل الجديد: أرضية خصبة للتطرف

    بعد سنوات من الحرب والفوضى، تعيش سوريا اليوم حالة من الفراغ الأمني والسياسي. هذه الحالة ليست سوى بيئة مثالية لنمو جماعات متطرفة جديدة، مشابهة في طبيعتها لما كانت عليه "داعش"، ولكنها قد تكون أكثر تعقيدًا وتطورًا. إن الفقر، الظلم، وانعدام العدالة عوامل تُغذي هذا التشكل، بينما القوى الدولية والإقليمية، التي تُركّز على مصالحها الضيقة، تبدو وكأنها غافلة أو متجاهلة لهذا الخطر المتنامي.


تشابهات مع أفغانستان

    ما يجري في سوريا اليوم يعيد إلى الأذهان تجربة أفغانستان في فترة ما بعد الحرب السوفييتية. حينها، تخلت القوى العظمى عن البلاد بعد تحقيق أهدافها، تاركةً الساحة لجماعات المجاهدين العائدين، الذين تحولوا لاحقًا إلى مشكلة إقليمية ودولية. هذا السيناريو يبدو قريبًا جدًا من الواقع السوري الحالي، حيث التدخلات الدولية تسعى لتحقيق مكاسب قصيرة المدى دون التفكير في استقرار طويل الأمد.


التخوف من المستقبل

    على الرغم من أن دول الجوار السوري قد تشهد فترة من الهدوء النسبي، فإن القلق الحقيقي ينبع من المفكرين والساسة الذين يرون أن هذا الهدوء المؤقت يخفي وراءه مخاطر كبيرة. فالتجاهل الحالي للتحديات المتنامية قد يؤدي إلى مشكلات إقليمية ودولية معقدة في المستقبل. هذه الأصوات الناقدة تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب كارثة قد تكون شبيهة بتلك التي أعقبت انسحاب السوفييت من أفغانستان.


هل من حلول؟

إن التخوف من المستقبل القريب مبرر تمامًا، ولكن تفادي الكارثة لا يزال ممكنًا إذا تم اتخاذ خطوات جادة وسريعة:

    1. الإشراف الدولي: ضرورة انعقاد عاجل لجمعية الأمم المتحدة برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، والكف عن مساعدة الفصائل المتطرفة في سوريا. كما يجب توجيه دعوات مباشرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور هذه الاجتماعات لضمان التوافق الدولي على الحل.

    2. بناء الدولة: يجب التركيز على إعادة بناء المؤسسات السورية التي تنهار تدريجيًا، وخلق نظام سياسي يمثل كافة أطياف الشعب السوري، بعيدًا عن الهيمنة من أي طرف داخلي أو خارجي.

    3. التنمية الاقتصادية: معالجة الفقر والبطالة باعتبارهما جذورًا للتطرف. دعم برامج إعادة الإعمار وتنمية المناطق المنكوبة لتوفير فرص عمل ومستقبل أفضل للمواطنين.

    4. التربية والتعليم: الاستثمار في الأجيال الشابة لمنع استغلالهم من قبل الجماعات المتطرفة، وتوجيه برامج تعليمية تسهم في بناء جيل جديد من المواطنين المتمسكين بقيم التسامح والعدالة.

    5. المصالحة الوطنية: تحقيق مصالحة شاملة تشمل جميع الأطياف السورية، بعيدًا عن التدخلات الخارجية التي قد تؤدي إلى تفاقم الانقسامات. المصالحة هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم.

    6. تصحيح القيادة: الدعوة إلى اتخاذ خطوات لتصحيح المسار السياسي عبر إبعاد الشخصيات التي قد تعرقل العملية السياسية الشاملة، والتركيز على قيادة تمثل كافة شرائح المجتمع السوري وتساهم في الحلول الحقيقية للأزمة.


ختامًا

    إن سوريا، التي كانت ذات يوم رمزًا للتعايش الثقافي والحضاري، باتت اليوم تواجه خطر التحول إلى أفغانستان جديدة. هذا ليس فقط مأساة للشعب السوري، بل تهديد مباشر لاستقرار المنطقة بأسرها. على المفكرين والساسة أن يستمروا في دق ناقوس الخطر، لتجنب مستقبل مليء بالأزمات التي لن تقتصر تداعياتها على الداخل السوري فقط، بل ستطال الجميع بلا استثناء.


No comments:

Post a Comment

Facebook and Instagram: A Clear and Direct Accusation of Fraud

 Facebook and Instagram: A Clear and Direct Accusation of Fraud     This is not a message. This is not a complaint. This is a direct and une...